النبدة التاريخية
مقدمة :
لا شك أن الشعور بالطمأنينة عند الإنسان غاية أساسية منذ القدم , حيث يحاول الإنسان الابتعاد عن مواطن التهديد والخطر وبالتالي اصبح الشعور بالطمأنينة يرتبط بتاريخ البشرية ولا يتصور فصله عنها , وعندما يصل الإنسان إلى هذا الشعور فقد وصل إلى الرفاهية .
والشعور بالطمأنينة في المجتمع هو مايطلق عليه الأمن الاجتماعي , وعلى وجه أدق فأن الأمن الاجتماعي هو شعور الأفراد في المجتمع بالطمأنينة والحماية الاجتماعية التي يوفرها الضمان الاجتماعي بالنسبة للأخطار التي قد يتعرضون لها , مثل العجز والمرض وإصابة العمل ومرض المهنة والشيخوخة والوفاة .
هذا هو المفهوم الذي تصبو كافة الدول المختلفة إلى تحقيقه وإلى الوصول إليه , والأمن الاجتماعي على هذا الأساس واحد لا يتغير , ولكن الذي يتغير هو الوسيلة أو الأسلوب الذي تستخدمه كل دولة في سبيل الوصول إليه .
ومن هنا برز الضمان الاجتماعي كأداة هامة وفعالة وجوهرية لخلق التلاحم الاجتماعي وحق أساسي من حقوق الإنسان وهو لا غني عنه من السياسة الاجتماعية , ويؤدي دوراً هاماً في الحماية الاجتماعية , وفي إمكان الضمان الاجتماعي من خلال الضامن الوطني والمشاركة العادلة في الأعباء أن يسهم في تحقيق كرامة الإنسان وفي المساواة والعدالة الاجتماعية .
ولما كانت الدولة الليبية شأنها شأن الكثير من دول العالم قد عرفت قبل الضمان الاجتماعي (أنظمة التقاعد – المساعدات الاجتماعية – التأمين الاجتماعي) وأنها سارت نحو الضمان الاجتماعي عبر طرق التطور من هذه الأنظمة
فــ ليبيا أول قانون عرفته هو قانون التأمين الاجتماعي رقم (53) لسنة 1957 وهذا القانون جاء على أنقاض :
1: المؤسسة الوطنية للتأمين ضد إصابات العمل مايسمى ( الأينائيل ) الإيطالية .
2: المؤسسة الوطنية للمساعدات الاجتماعية لأفريقيا الإيطالية وعرف بــ ( إياسي ) الإيطالية .
3: المؤسسة الوطنية للضمان الاجتماعي وتعرف بـــ ( إيناسي ) الإيطالية .
وهي مؤسسات التأمينات الاجتماعية الإيطالية والتي كانت تعمل في ليبيا وكان نطاق عملها مدينة طرابلس .
أولاً: بصدور القانون رقم (53) لسنة 1957 ف ضمن هذه المؤسسة الوطنية للتأمين الاجتماعي موجب قرار رقم (3) لسنة 1959 ف الصادر عن وزير المالية بتاريخ 12/2/59 ف آنذاك .
بدء العمل بهذا القانون تدريجياً , حيث بدا العمل به كالأتي :-
1: مدينة طرابلس في 28/3/59 ف .
2: مدينة بنغازي في 31/12/60 ف .
3: مدينة سبها في 19/12/62 ف .
إلا أنه رغم صدوره لم يكن شمولياً حيث أستثني الفئات التالية من التأمين وهي :-
1: أي مؤسسة تستخدم أقل من خمسة أفراد .
2: خدم المنازل إلا إذا كانوا يعملون في مؤسسة تجارية .
3: المستخدمون الذين يشتغلون في منازلهم .
4: زوجة صاحب العمل أو زوج صاحبة العمل و أولادها و والدها .
5: موظفو الدولة والمؤسسات العامة ( المصنفين وغير المصنفين ) وأفراد القوات المسلحة وقوات الشرطة .
6: الموظفون الأجانب الذين يعملون بالدولة أو مؤسسة عامة بمقتضي عقود عمل .
7: أفراد طاقم السفن والطائرات الأجنبية خلال وجودها داخل الحدود الليبية لغير الملاحة الداخلية أو الطيارات الداخلية .
8: الرعاية للأجانب المقيمون في ليبيا بسبب عملهم في البعثات الدولية أو الدبلوماسية أو القوات المسلحة الأجنبية .
9: كافة المناشط الفردية .
وكان هذا القانون يعتمد على صرف المساعدات المالية وبشروط قاسية , كما شدد للحصول على المعاشات بوضع شروط مجحفة تتحكم في مصير حياة الإنسان وعلى سبيل المثال لا الحصر :
معاش الشيخوخة :-
أ- نصت المادة (32) من القانون على أنه لاستحقاق هذا المعاش أن يكون مدفوعاً لحساب عدد (250) اشتراكاً واشترطت أن يكون من بين الاشتراكات المطلوبة (50) اشتراكات على الأقل مدفوعة في الستة والثلاثين شهراً السابقة مباشرة على تقاعده في سن 1960 سنة أو مابعدها .
ب- كما حددت المادة تدرج الأعمال بجدول يبدأ من سنة 1914 ف إلى سنة 1934 ف وبدأت الاشتراكات بالنسبة لمواليد 1914 ف , عدد الاشتراكات (250) اشتراك وأخذت تتدرج إلى مواليد 1934 ف وعدد الاشتراكات (750) اشتراكاً أي بزيادة (25) اشتراك سنوياً .
ج- اشتراكات التأمين عن ألف أسبوع على الأقل مدفوعة في أي وقت .
معاش اعتلال الصحة :
يستحق معاش اعتلال الصحة كل مؤمن عليه إذا أصيب بعجز مستديم أفقده القدرة على العمل بنسبة الثلاثين فأكثر بحيث لم يعد قادراً بسبب هذا العجز ويرد إليه هذا المعاش بعد انتهاء المدة التي يستحق هذا المعاش إذا كان العجز غير ناشئ عن إصابة عمل أن نكون الاشتركات الآتية قد دفعت لحساب للمؤمن عليه إلى تاريخ توقف المساعدة المالية في حالة المرض .
. اشتراك التأمين عن (250) اشتراك (أسبوعاً) على الأقل من بينها (50) اشتراكاً أو أكثر مدفوعة في الستة والثلاثين شهراً السابقة مباشرة على التاريخ توفق المساعدات المالية في حالة المرض .
. اشتراك التأمين عن ألف أسبوع على الأقل مدفوعة في أي وقت .
أما معاش اعتلال الصحة بسبب العجز الناشئ عن إصابة العمل فلا ينظر في إستحقاقه إلى عدد الاشتراكات المدفوعة .
ثانيا: قانون التقاعد رقم (58) لسنة 1957 ف :-
أختص هذا القانون بفئة العاملين بالدولة ( المصنفين ) والذين هم درجات مصنفة بالملكات الوظيفية دون سواهم ورتب لهم حقوقا إلا إنه جعل شروطاً قاسية للحصول عليها .
ثالثا : لائحة الموظفين غير المصنفين :-
صدرت لائحة عرفت بلائحة الموظفين غير المصنفين لسنة 1964 ف وهي تنظم هذه الفئة في مالكات غير مصنفة وهي ما كانت تعرف بنظام الفئات وهي رتبت بعض الحقوق لهؤلاء لكنها تعتبر مثل ما سبقها من قوانين وضعت اشتراطات قاسية للحصول على أي منفعة .
رابعا: صدرت بعد ذلك مجموعة من القوانين تنظم بقية الفئات الأخرى التي لم تتطرق إليها القوانين السابقة وهي :-
1: قانون تقاعد أصحاب المناصب العامة الصادر في 24/12/59 ف وهو يعالج الحقوق التقاعدية لهذه الشريحة .
2: قانون التقاعد العسكري للضباط الصادر في 21/10/59 ف وهو يعالج الحقوق التقاعدية لضباط الجيش .
3: قانون صندوق الضمان لضباط الصف والجنود الصادر في 21/10/59 ف وهو يعالج الحقوق التقاعدية لهذه الفئة .
4: قانون تقاعد رجال البوليس رقم (11) لسنة 1964 ف وهذا القانون يعالج حقوق التقاعدية لهذه الشريحة .
خامسا : قانون التقاعد لعام 1967 ف :
صدر هذا القانون في 28/3/67 ف وبدأ العمل به في 1/4/67 ف وأقتضي سريانه على الفئات التالية :
1: أصحاب المناصب العامة .
2: رجال القضاء والنيابة العامة .
3: أعضاء السلك الدبلوماسي والقنصلي .
4: أعضاء القوات المسلحة .
5: الموظفون المصنفون في الدولة .
6: الموظفون غير المصنفين في الهيئات والمؤسسات العامة .
على أن يكون من بين المؤسسات التي ينطبق عليها قانون الخدمة العامة رقم (55) لسنة 1967 ف والتي كان يطبق على موظفيها قانون التقاعد رقم (58) لسنة 1957 ف.
وهذا القانون جمع كل الشرائح التي كانت تحكم أوضاعها التقاعدية قوانين خاصة وأصبح هذا القانون قانوناً موحداً لكل الشرائح الواردة بالمادة (1) منه .
ولا نكر أن هذا القانون قد وحد الحقوق التقاعدية للشرائح الواردة به من ناحية وحدة الإدارة من ناحية أخرى إلا أنه في وجهة نظرنا كان مجحفاً فيما يتعلق بالمعاشات حيث أنه وضع شروطاً قاسية لاستحقاق المعاشات , وهي على سبيل المثال لا الحصر :
معاش الشيخوخة المادة (16) :-
يحق للمنتفع عند تقاعده بعد مضي عشرين سنة من خدمة أن يتقاضى معاشاً تقاعدياً سنوياً يحسب على أساس 50% من مرتبه المشار إليه بالمادة 11 وتزداد هذه النسبة بواقع 2% عن سنة خدمة يقضيها بعد عشرين سنة , وإذا لم تبلغ مدة خدمة المنتفع عشرين سنة , فيستحق مكافأة مقدارها مرتب شهر عن كل سنة خدمة من السنوات الخمس الأولى , ومرتب شهرين عن كل سنة خدمة من السنوات الخمس التالية , ومرتب ثلاثة أشهر عن كل سنة تزيد عن ذلك .
معاش بسبب الوفاة أو العجز أو عدم اللياقة الصحية لغير سبب الخدمة :-
إذا انتهت خدمة المنتفع بسبب الوفاة أو العجز الطبي أو عدم اللياقة الصحية للعمل بغير أسباب الخدمة وكانت مدة خدمته لا تقل عن (عشرة سنوات) أستحق معاشا تقاعدياً يحسب على أساس 40% من مرتبه الشهري وتزداد هذه النسبة بواقع 2% من مرتبه عن كل سنة خدمة بعد السنة العاشرة بحد أقصي لا يجاوز 80% من المرتب .
فأن قلت مدة خدمة المنتفع عن عشر سنوات أستحق مكافأة مقدارها مرتب ثلاثة أشهر عن مدة خدمته . أما فيما يتعلق بالاشتراك المفروض على المنتفع والذي يجب خصمه من مرتبه فهو 5% طبقا لنص المادة (3) من القانون وتردي الخزانة العامة والمؤسسات العامة التي يفيد موظفوها بأحكام هذا القانون مبالغ لا تقل عن 5% من مجموعة المرتبات المعتمدة في ميزانيتها السنوية .
سادساً قانون الضمان الاجتماعي رقم (72) لسنة 1973 ف :
صدر هذا القانون في 10/10/73 ف عن الدولة الليبية وحدد في المادة (28) منه الباب الثالث (المستفيدون) حيث أورد سريان أنظمة الضمان الاجتماعي حسب نوعيتها على الوظائف التالية :
1: مستخدمو الدولة والهيئات والمؤسسات العامة وأفراد القوات المسلحة والشرطة .
2: العاملون بعقود عمل شفوية أو مكتوبة بالدولة والقطاعين الخاص والعام .
3: أصحاب المهن الحرة .
4: أصحاب الحرف الحرة والعاملون بمنازلهم .
6: أصحاب العمل .
7: الشيوخ والأرامل والأيتام ممن لا عائل لهم .
8: من انقطعت أو ضاقت بهم سبل العيش ولم يكن لهم من تجب عليهم نفقتهم .
9: غير الليبيين المقيمين بسبب العمل فيما عدا نظام المعاش الأساسي ورعاية الطفولة والشيخوخة والجانحات والمنحرفين
ومن مميزات هذا القانون الأتي :
. رفع شعار الضمان الاجتماعي
. أن تكون التشريعات الضمانية بالدولة الليبية متفقة مع المبادئ الأساسية للشريعة الإسلامية في تحقيق التضامن والتكامل الاجتماعي وإصلاح حال الفرد و الجماعة واستلهامها لمبادئها التقدمية التي مبناها و أساسها العدل والرحمة والإخاء ورعاية مصالح العباد والبر بهم .
. أن يكون الضمان الاجتماعي حق تكفله الدولة لجميع المواطنين وحماية المواطنين الغير مقيمين بسبب العمل .
. لم تستثني أي شريحة من شرائح المجتمع التي تزاول أعمالا بالتسجيل في الضمان الاجتماعي.
.توحيد الإدارة حيث ضم إليه (التأمين الاجتماعي – أنظمة التقاعد – البر والمساعدات الاجتماعية – إي نظام أو مشروع قائم أو أستحدث يتفق و أغراض هذا القانون ترى الدولة ضمه لهذا القانون ).
سابعاً قانون رقم 43 لسنة 1974 ف تقاعد العسكريين :
صدر هذا القانون في 27/7/76 ف وأستهدف شريحة العسكريين بالقوات المسلحة ورتب لهم حقوقا ضمانية خاصة كفلها له هذا القانون .
ثامناً قانون الضمان الاجتماعي رقم 13 لسنة 1980 ف :
لقد خطت ليبيا خطوة عملاقة نحو تحقيق العدالة الاجتماعية إذا أصدرت القانون رقم (72) سنة 1973 ف عن الدولة الليبية فكان ذلك إيذانا بعمل كبير وعظيم يدعم كيان الدولة ويوطد أركانه ويحقق فيها الأمن والرعاية وللأسرة والدعم والحماية للمواطنين وللعاملين من غير الليبيين العدل والكفاية .
حتي يسود في المجتمع الاطمئنان والترحم والتضامن والتكافل وتزيد فيه طاقات الإنتاج .
ألا أن هذا القانون رأت الدولة أنه لم يحقق ماتصبو إليه من النهضة الاجتماعية ولا يزال يحتاج إلى إدخال تعديلات عليه , فرأت ضرورة تشكيل لجان فنية متخصصة لدراسة هذا القانون وأحداث تغييرات هامة , وذلك من خلال اهتمامه الكبير لمبدأ الضمان الاجتماعي , اعتبرته ركنا هاماً من أركان النهضة الاجتماعية وفي هذا الإطار فرغت هذه اللجان و وضعت صيغة القانون رقم (13) لسنة 1980 ف والتي أقرته لعام 1388 من وفاة الرسول الموافق 1979 من الميلاد والتي صاغها في 13-17- صفر 1389 من وفاة الرسول الموافق 1-6/1/1980 ف .
وبذلك أصبح هذا القانون؛ القانون نقطة مضيئة من ضمن النقاط العديدة والكثيرة التي لايمكن حصرها , عادت للإنسان في الدولة كرامته و وفرت له الحماية الاجتماعية بين كافة أنواع المخاطر وأنه يتميز بالشمولية والوحدة ويطبق مبدأ عدم التفرقة بين المواطنين المقيمين بالدولة وعلى الصعيد العربي أقر المؤتمر العام لمنظمة العمل العربية في سنة 1971 ف إتفاقية عربية بشأن وضع بعض المستويات الأساسية المتعارف عليها دولياً للأخذ بها كحد أدنى في تشريعات التأمينات الاجتماعية بالدول العربية , حيث أوجبت أن يشمل التشريع الوطني فرعين أثنين على الأقل من فروع التأمينات الاجتماعية الآتية :
1: إصابات العمل
2: الشيخوخة
3: المرض
4: الوفاة
5: الأمومة
6: البطالة
7: العجز
8: المنافع العائلية
بالتالي يتضح أن قانون الضمان الاجتماعي رقم (13) قد غطي كافة ما جاء سواء من منظمة العمل الدولية أو منظمة العمل العربية .
مما يدل على أن هذا القانون جاء منسجماً والشريعة الإسلامية لأنه يستهدف مبدأ التضامن والتراحم والبر والتكافل وسد حاجة العجز وتقرير حق المحروم في مال الدولة يقتضيه بحكم الشرع والقانون .
كما أنه يشمل كل فرد في الدولة على أداء واجبه وممارسة عمله وعلى مواصلة البذل والعطاء والإنتاج على أن تظلله مظلو الضمان الاجتماعي أينما كان حتى إذا أدرك نهاية المطاف بأن انتهت خدماته وأعماله ببلوغ السن المحددة أو سقط عاجزا عن العمل أو الخدمة كفل له الدولة حقوقه وأشبع حاجاته.
كما أنه يخول المضمونين في المجتمع الجديد معاشات دائمة لا مكافآت مقطوعة ولا إعانات إجمالية , كما أنه ييسر مدة العمل والخدمة جميعاً لمصلحة المضمون وضم المدة العمل والخدمة السابقة , بالإضافة أنه يراعى مبدأ التلازم بين مايعطيه المضمون المشترك من اشتراكات وبين مايتقاضاه من منافع.